الجودة وسلوك الموظف- حلقة إيجابية نحو التميز المؤسسي ورؤية 2030
المؤلف: سامي الدجوي09.16.2025

يا عزيزي القارئ ويا أختي القارئة، أود أن أطرح سؤالاً جوهرياً يستحق التأمل: أي الأمرين له الغلبة في التأثير، هل جودة الأداء هي المحرك لسلوك الموظف أم أن سلوك الموظف هو الذي يسمو بالجودة؟
قبل الخوض في إجابة هذا السؤال العميق، يجب علينا أن نتساءل: هل توجد رابطة حقيقية تجمع بين الجودة وسلوك الموظف؟ تؤكد الدراسات والأبحاث في مجال علم الإدارة على وجود ارتباط قوي ومتين بين تطبيقات إدارة الجودة الشاملة (TQM) وبين رضا الموظف، وبالتالي سلوكه داخل المؤسسة. فتبني أسس ومفاهيم الجودة الشاملة في بيئة العمل لا يقتصر فقط على تعزيز وتحسين مؤشرات الأداء المؤسسي، بل يمتد ليشمل التأثير الإيجابي على تفاعل الموظفين مع بعضهم البعض، وعلى استعدادهم للمشاركة الفعالة في عمليات التحسين المستمر والتطوير الدائم. على سبيل المثال، قام مركز فرجينيا ميسون الطبي في ولاية واشنطن بتطبيق نظام مبتكر يهدف إلى تمكين جميع الموظفين من اكتشاف أي أعطال أو نواقص في العمليات، مثل التأخير في توفير الأدوات والمستلزمات الطبية اللازمة للفحص، مما كان يجبر الأطباء والموظفين على إيقاف العمل والبحث عنها، بالإضافة إلى الأخطاء التي كانت تحدث في تجهيز الدفعات وإدخال البيانات الخاصة بالمرضى، الأمر الذي كان يتسبب في إعادة العمل وتكرار خطوات غير ضرورية، وبالتالي زيادة الخطوات الإضافية التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الأخطاء والهدر والتكاليف الباهظة. ولكن بعد تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة، وانخراط عدد كبير من الموظفين في التحسين المستمر، انخفضت نسبة الأخطاء بشكل ملحوظ، حيث تراوحت النسبة بين 50 و90%. هذا التحسن الملحوظ في الأداء، والذي تحقق بفضل جهود الأطباء والموظفين، أدى إلى زيادة مشاركتهم الفعالة في اتخاذ القرارات المصيرية، وتعزيز دورهم في تحسين بيئة العمل، وتقوية الرقابة الذاتية، وتحفيز المبادرة لديهم، وكل ذلك ساهم في نهاية المطاف في شعورهم بالرضا الوظيفي العميق.
بالعودة إلى السؤال الذي طرحناه في بداية هذا المقال: أي العنصرين له الأثر الأكبر في الآخر، هل الجودة هي التي تشكل السلوك أم أن السلوك هو الذي يرتقي بمستوى الجودة؟ الإجابة تكمن في أنهما مرتبطان بعلاقة تبادلية تفاعلية، حيث يعزز كل منهما الآخر في سلسلة متصلة من الإيجابية. فالتطبيق الفعال لأنظمة الجودة المختلفة – من تدريب وتقييم وتحفيز – يهيئ بيئة عمل خصبة تنمي في الموظف شعوراً عميقاً بالمسؤولية والتمكين، وينعكس ذلك بوضوح في سلوكياته الإيجابية، مثل المبادرة والابتكار والالتزام بالمواعيد والتقيد بالمعايير. وفي الوقت ذاته، فإن سلوك الموظف القائم على الفطرة السليمة – كالاحترافية في الأداء، وروح الفريق الواحد، والالتزام بالقيم النبيلة – يشكل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها أي استراتيجية جودة ناجحة. فعندما يتبنى الموظفون سلوكيات تتسم بأعلى مستويات المسؤولية والجودة الذاتية، فإنهم يصبحون أقوى دافع لتنفيذ برامج الجودة وتحويلها إلى ثقافة مؤسسية راسخة، لا تقتصر فقط على الإجراءات الرسمية والروتينية.
قد يسترعي انتباهك هنا أننا استخدمنا عبارة "حلقة إيجابية" للإشارة إلى العلاقة التبادلية القائمة بين الجودة والسلوك. وهذا يشير إلى دورة تغذية راجعة متنامية (virtuous cycle) بين عنصرين يتبادلان التأثير بشكل مستمر، بحيث أن تحسين الجودة يؤدي إلى سلوك موظف أكثر إيجابية، مما يولد مستويات أعلى من التفاعل والمبادرة والحرص على المعايير، وبالتالي يعزز المزيد من التحسينات في الجودة. وهكذا تستمر هذه الدائرة في التعزيز الذاتي دون توقف.
بمعنى آخر، كلما ارتفع مستوى جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة، شعر الموظفون بأن جهودهم محل تقدير وذات قيمة، مما يزيد من حماسهم والتزامهم، وينعكس ذلك مباشرة على رفع معايير الجودة أكثر وأكثر.
باختصار، العلاقة بين الجودة وسلوك الموظف ليست علاقة خطية ذات اتجاه واحد، بل هي علاقة ديناميكية متغيرة، حيث يغذي كل متغير الآخر باستمرار. فالجودة المنشودة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال سلوك موظف ملتزم ومتحفز، والموظف المنخرط في ثقافة الجودة يرفع من مستوى المخرجات بشكل ملحوظ وواضح. ولضمان استدامة هذه الحلقة الإيجابية، يجب على المؤسسات تصميم برامج متكاملة وشاملة تتضمن التدريب والتقييم والتحفيز، مع بناء ثقافة تنظيمية تشجع على مسؤولية الأفراد وتقدر مساهماتهم في تحقيق التميز والريادة. وأخيراً، الجودة وسلوك الموظف هما وجهان لعملة الوطن الواحد. فلنستثمر فيهما معاً، ولنصنع التميز، ونبني منظمات قادرة على المنافسة، ونسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة. فاليد التي تجيد العمل وتتقنه، هي نفسها التي ترفع راية الوطن عالياً بسلوكها القويم، لتكون المملكة يوماً ما ضمن مصاف الدول العظمى "G7" بعون الله.
قبل الخوض في إجابة هذا السؤال العميق، يجب علينا أن نتساءل: هل توجد رابطة حقيقية تجمع بين الجودة وسلوك الموظف؟ تؤكد الدراسات والأبحاث في مجال علم الإدارة على وجود ارتباط قوي ومتين بين تطبيقات إدارة الجودة الشاملة (TQM) وبين رضا الموظف، وبالتالي سلوكه داخل المؤسسة. فتبني أسس ومفاهيم الجودة الشاملة في بيئة العمل لا يقتصر فقط على تعزيز وتحسين مؤشرات الأداء المؤسسي، بل يمتد ليشمل التأثير الإيجابي على تفاعل الموظفين مع بعضهم البعض، وعلى استعدادهم للمشاركة الفعالة في عمليات التحسين المستمر والتطوير الدائم. على سبيل المثال، قام مركز فرجينيا ميسون الطبي في ولاية واشنطن بتطبيق نظام مبتكر يهدف إلى تمكين جميع الموظفين من اكتشاف أي أعطال أو نواقص في العمليات، مثل التأخير في توفير الأدوات والمستلزمات الطبية اللازمة للفحص، مما كان يجبر الأطباء والموظفين على إيقاف العمل والبحث عنها، بالإضافة إلى الأخطاء التي كانت تحدث في تجهيز الدفعات وإدخال البيانات الخاصة بالمرضى، الأمر الذي كان يتسبب في إعادة العمل وتكرار خطوات غير ضرورية، وبالتالي زيادة الخطوات الإضافية التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الأخطاء والهدر والتكاليف الباهظة. ولكن بعد تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة، وانخراط عدد كبير من الموظفين في التحسين المستمر، انخفضت نسبة الأخطاء بشكل ملحوظ، حيث تراوحت النسبة بين 50 و90%. هذا التحسن الملحوظ في الأداء، والذي تحقق بفضل جهود الأطباء والموظفين، أدى إلى زيادة مشاركتهم الفعالة في اتخاذ القرارات المصيرية، وتعزيز دورهم في تحسين بيئة العمل، وتقوية الرقابة الذاتية، وتحفيز المبادرة لديهم، وكل ذلك ساهم في نهاية المطاف في شعورهم بالرضا الوظيفي العميق.
بالعودة إلى السؤال الذي طرحناه في بداية هذا المقال: أي العنصرين له الأثر الأكبر في الآخر، هل الجودة هي التي تشكل السلوك أم أن السلوك هو الذي يرتقي بمستوى الجودة؟ الإجابة تكمن في أنهما مرتبطان بعلاقة تبادلية تفاعلية، حيث يعزز كل منهما الآخر في سلسلة متصلة من الإيجابية. فالتطبيق الفعال لأنظمة الجودة المختلفة – من تدريب وتقييم وتحفيز – يهيئ بيئة عمل خصبة تنمي في الموظف شعوراً عميقاً بالمسؤولية والتمكين، وينعكس ذلك بوضوح في سلوكياته الإيجابية، مثل المبادرة والابتكار والالتزام بالمواعيد والتقيد بالمعايير. وفي الوقت ذاته، فإن سلوك الموظف القائم على الفطرة السليمة – كالاحترافية في الأداء، وروح الفريق الواحد، والالتزام بالقيم النبيلة – يشكل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها أي استراتيجية جودة ناجحة. فعندما يتبنى الموظفون سلوكيات تتسم بأعلى مستويات المسؤولية والجودة الذاتية، فإنهم يصبحون أقوى دافع لتنفيذ برامج الجودة وتحويلها إلى ثقافة مؤسسية راسخة، لا تقتصر فقط على الإجراءات الرسمية والروتينية.
قد يسترعي انتباهك هنا أننا استخدمنا عبارة "حلقة إيجابية" للإشارة إلى العلاقة التبادلية القائمة بين الجودة والسلوك. وهذا يشير إلى دورة تغذية راجعة متنامية (virtuous cycle) بين عنصرين يتبادلان التأثير بشكل مستمر، بحيث أن تحسين الجودة يؤدي إلى سلوك موظف أكثر إيجابية، مما يولد مستويات أعلى من التفاعل والمبادرة والحرص على المعايير، وبالتالي يعزز المزيد من التحسينات في الجودة. وهكذا تستمر هذه الدائرة في التعزيز الذاتي دون توقف.
بمعنى آخر، كلما ارتفع مستوى جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة، شعر الموظفون بأن جهودهم محل تقدير وذات قيمة، مما يزيد من حماسهم والتزامهم، وينعكس ذلك مباشرة على رفع معايير الجودة أكثر وأكثر.
باختصار، العلاقة بين الجودة وسلوك الموظف ليست علاقة خطية ذات اتجاه واحد، بل هي علاقة ديناميكية متغيرة، حيث يغذي كل متغير الآخر باستمرار. فالجودة المنشودة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال سلوك موظف ملتزم ومتحفز، والموظف المنخرط في ثقافة الجودة يرفع من مستوى المخرجات بشكل ملحوظ وواضح. ولضمان استدامة هذه الحلقة الإيجابية، يجب على المؤسسات تصميم برامج متكاملة وشاملة تتضمن التدريب والتقييم والتحفيز، مع بناء ثقافة تنظيمية تشجع على مسؤولية الأفراد وتقدر مساهماتهم في تحقيق التميز والريادة. وأخيراً، الجودة وسلوك الموظف هما وجهان لعملة الوطن الواحد. فلنستثمر فيهما معاً، ولنصنع التميز، ونبني منظمات قادرة على المنافسة، ونسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة. فاليد التي تجيد العمل وتتقنه، هي نفسها التي ترفع راية الوطن عالياً بسلوكها القويم، لتكون المملكة يوماً ما ضمن مصاف الدول العظمى "G7" بعون الله.